فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وفي المطلب لابن الرفعة أن مفهوم العدد هو العمدة عندنا في عدم تنقيص الحجارة في الاستنجاء على الثلاثة والزيادة على ثلاثة أيام في الخيار، وما نقل عن النووي من أن مفهوم العدد باطل عند الأصوليين محمول على أن المراد باطل عند جمع من الأصوليين كما يدل عليه كلامه في شرح مسلم في باب الجنائز وإلا فهو عجيب منه.
وكلام العلامة البيضاوي مضطرب، ففي المنهاج التحصيص بالعدد لا يدل على الزائد والناقص أي انه نص في مدلوله لا يحتمل الزيادة والنقصان، وفي التفسير عند هذه الآية بعد سوق خبر سبب النزول أنه عليه الصلاة والسلام فهم من السبعين العدد المخصوص لأنه الأصل فجاز أن يكون ذلك حدًا يخالفه حكم ما وراءه فبين عليه الصلاة والسلام أن المراد به التكثير لا التحديد، وذكر في تفسير سورة البقرة عند قوله سبحانه: {فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سموات} [البقرة: 29] أنه ليس في الآية نفي الزائد، وإرادة التكثير من السبعين شائع في كلامهم وكذا إرادته من السبعة والسبعمائة، وعلل في شرح المصابيح ذلك بأن السبعة مشتملة على جملة أقسام العدد فإنه ينقسم إلى فرد وزوج وكل منهما إلى أول ومركب فالفرد الأول ثلاثة والمركب من خمسة والزوج الأول إثنان والمركب أربعة، وينقسم أيضًا إلى منطق كالأربعة وأصم كالستة؛ والسبعة تشتمل على جميع هذه الأقسام، قم إن أريد المبالغة جعلت آحادها اعشارًا واعشارها مئات، وأريد بالفرد الأول الذي لا يكون مسبوقًا بفرد آخر عددي كالثلاثة إذ الواحد ليس بعدد بناء على أنه ما ساوى نصف مجموع حاشيته الصحيحتين، وبالفرد المركب الذي يكون مسبوقًا بفرد آخر فإن الخمسة مسبوق بثلاثة، وأريد بالزوج الأول الغير مسبوق بزوج آخر كالاثنين وبالمركب ما يكون مسبوقًا به كالأربعة المسبوقة بالاثنين، وقد يقسم العدد ابتداء إلى أول ومركب ويراد بالأول ما لا يعده إلا الواحد كالثلاثة والخمسة والسبعة وبالمركب ما يعده غير الواحد كالأربعة فإنه يعدها الاثنان والتسعة فإنه يعدها الثلاثة، وللمنطق اطلاقان فيطلق ويراد به ما له كسر صحيح من الكسور التسعة، والأصم الذي يقابله ما لا يكون كذلك كأحد عشر، ويطلق ويراد به المجذور وهو ما يكون حاصلًا من ضرب عدد في نفسه كالأربعة الحاصلة من ضرب الاثنين في نفسها والتسعة الحاصلة من ضرب الثلاثة في نفسها والأصم الذي يقابله ما لا يكون كذلك كالاثنين والثلاثة وهذا مراد شارح المصابيح حيث مثل الأصم بالستة مع أن لها كسرًا صحيحًا بل كسران النصف والسدس لكنها ليست حاصلة من ضرب عدد في نفسه، ومعنى اشتمال السبعة على هذه الأقسام أنه إذا جمع الفرد الأول مع الزوج المركب أو الفرد المركب مع الزوج الأول كان سبعة، وكذا إذا جمع المنطق كالأربعة مع الأصم كالثلاثة كان الحاصل سبعة وهذه الخاصة لا توجد في العدد قبل السبعة، فمن ظن أن الأنسب بالاعتبار بحسب هذا الاشتمال هو الستة لا السبعة لأنها المشتملة على ما ذكر فهو لم يحصل معنى الاشتمال أو لم يعرف هذه الاصطلاحات لكونها من وظيفة علم الاتماطيقي.
ومما ذكرنا من معنى الاشتمال يندفع أيضًا ما يتوهم من أن التحقيق ان كل عدد مركب من الوحدات لا من الاعداد التي تحته إذ ليس المراد من الاشتمال التركيب على أن في هذا التحقيق مقالًا مذكورًا في محله.
وقال ابن عيسى الربعي: إن السبعة أكمل الأعداد لأن الستة أول عدد تام وهي مع الواحد سبعة فكانت كاملة إذ ليس بعد التمام إلا الكمال، ولذا سمي الأسد سبعًا لكمال قوته، وفسر العدد التام بما يساوي مجموع كسوره وكون الستة كذلك ظاهر فإن كسورها سدس وهو واحد وثلث وهو إثنان ونصف وهو ثلاثة ومجموعها ستة، لكن استبعد عدم فهو من هو أفصح الناس وأعرفهم باللسان صلى الله عليه وسلم إرادة التكثير من السبعين هنا، ولذا قال البعض: إنه عليه الصلاة والسلام لم يخف عليه ذلك لكنه خيل بما قال إظهارًا لغاية رأفته ورحمته لمن بعث إليه كقول إبراهيم عليه السلام: {وَمَنْ عَصَانِى فَإِنَّكَ غَفُورٌ} [إبراهيم: 36] يعني أنه صلى الله عليه وسلم أوقع في خيال السامع أنه فهم العدد المخصوص دون التكثير فجوز الإجابة بالزيادة قصدًا إلى إظهار الرأفة والرحمة كما جعل إبراهيم عليه السلام جزاء من عصاني أي لم يمتثل أمر ترك عبادة الأصنام قوله: {عَصَانِى فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} دون إنك شديد العقاب مثلًا فخيل أنه سبحانه يرحمهم ويغفر لهم رأفة بهم وحثًا على الاتباع، وتعقب بأن ذكره للتمويه والتخييل بعد ما فهم عليه الصلاة والسلام منه التكثير لا يليق بمقامه الرفيع، وفهم المعنى الحقيقي من لفظ اشتهر مجازه لا ينافي الفصاحة والمعرفة باللسان فإنه لا خطأ فيه ولا بعد إذ هو الأصل، ورجحه عنده عليه الصلاة والسلام شغفه بهدايتهم ورأفته بهم واستعطاف من عداهم، ولعل هذا أولى من القول بالتمويه بلا تمويه، وأنكر إمام الحرمين صحة ما يدل عليه أنه عليه الصلاة والسلام فهم على أن حكم ما زاد على السبعين بخلافه وهو غريب منه، فقد جاء ذلك من رواية البخاري ومسلم وابن ماجه والنسائي وكفى بهم، وقول الطبرسي: إن خبر «لأزيدن» إلخ خبر واحد لا يعول عليه لا يعول عليه، وتمسك في ذلك بما هو كحبل الشمس وهو عند القائلين بالمفهوم كجبال القمر، وأجاب المنكرون له بمنع فهم ذلك لأن ذكر السبعين للمبالغة وما زاد عليه مثله في الحكم وهو مبادرة عدم المغفرة فكيف يفهم منه املخالفة، ولعله علم صلى الله عليه وسلم أنه غير مراد هاهنا بخصوصه سلمناه لكن لا نسلم فهمه منه، ولعله باق على أصله في الجواز إذ لو لم يتعرض له بنفي ولا إثبات والأصل جواز الاستغفار للرسول عليه الصلاة والسلام وكونه مظنة الإجابة ففهم من حيث أنه الأصل لا من التخصيص بالذكر، وحاصل الأول منه فهمه منه مطلقًا بل إنما فهم من الخارج، وحاصل الثاني تسليم فهمه منه في الجلمة لكن لا بطريق المفهوم بل من جهة الأصل.
وأنت تعلم أن ظاهر الخبر مع القائلين بالمفهوم غاية الأمر أن الله سبحانه أعلم نبيه عليه الصلاة والسلام بأية المنافقين أن المراد بالعدد هنا التكثير دون التحديد ليكون حكم الزائد مخالفًا لحكم المذكور فيكون المراد بالآيتين عند الله تعالى واحدًا وهو عدم المغفرة لهم مطلقًا، لكن في دعوى نزول آية المنافقين بعد هذه الآية اشكال، أما على القول بأن براءة آخر ما نزل فظاهر وأما على القول بأن أكثرها أو صدرها كذلك وحينئذ لا مانع من تأخر نزول بعض الآيات منها عن نزول بعض من غيرها فلأن صدر ما في سورة المنافقين يقتضي أنها نزلت في غير قصة هذه التي سلفت آنفًا، وظاهر الأخبار كما ستعلم إن شاء الله تعالى يقتضي أنها نزلت في ابن أبي ولم يكن مريضًا، وما تقدم في سبب تزول ما هنا نص في أنه نزل وهو مريض، والقول بأن تلك تزلت مرتين يحتاج إلى النقل ولا يكتفي في مثله بالرأي وأنى به، على أنه يشكل حينئذ قوله عليه الصلاة والسلام: «لأزيدن على السبعين» مع تقدم تزول المبين للمراد منه، والقول بالغفلة لا أراه إلا ناشئًا من الغفلة عن قوله تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تنسى} [الأعلى: 6] بل الجهل بمقامه الرفيع عليه الصلاة والسلام ومزيد اعتنائه بكلام ربه سبحانه، ولم أر من تعرض لدفع هذا الإشكال، ولا سبيل إلى دفعه إلا بمنع نزول ما في سورة المنافقين في قصة أخرى ومنع دلالة الصدر على ذلك.
نعم ذكروا أن الصدر نزل في ابن أبي ولم يكن مريضًا إذ ذاك؛ ولم نقف على نص في أن العجز نزل فيه كذلك، والظاهر نزوله بعد قوله سبحانه: {ولا تصل على أحد منهم} [التوبة: 84] إلخ وسيأتي إن شاء الله تعالى ما يؤيد ذلك عند تفسير الآية فافهم {ذلك} إلخ وسيأتي إن شاء الله تعالى ما يؤيد ذلك عند تفسير الآية فافهم {ذلك} أي امتناع المغفرة لهم ولو بعد ذلك الاستغفار {بِأَنَّهُمْ} أي بسبب أنهم {كَفَرُواْ بالله وَرَسُولِهِ} يعني ليس الامتناع لعدم الاعتداد باستغفارك بل بسبب عدم قابليتهم لأنهم كفروا كفرًا متجاوزًا للحد كما يشير إليه وصفهم بالفسق في قوله سبحانه: {والله لاَ يَهْدِي القوم الفاسقين} فإن الفسق في كل شيء عبارة عن التمرد والتجاوز عن حدوده، والمراد بالهداية الدلالة الموصلة لا الدلالة على ما يوصل لأنها واقعة لكن لم يقبلوها لسوء اختيارهم، والجملة تذييل مؤكد لما قبله من الحكم فإن مغفرة الكفار بالاقلاع عن الكفر والإقبال إلى الحق والمنهمك فيه المطبوع عليه بمعزل من ذلك، وفيه تنبيه على عذر النبي صلى الله عليه وسلم في الاستغفار لهم وهو عدم يأسه من إيمانهم حيث لم يعلم إذ ذاك أنهم مطبوعون على الغي لا ينجع فيهم العلاج ولا يفيدهم الإرشاد، والممنوع هو الاستغفار بعد العلم بموتهم كفارًا كما يشهد له قوله سبحانه: {مَا كَانَ لِلنَّبِىّ والذين ءامَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِى قربى مِن بَعْدَمَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أصحاب الجحيم} [التوبة: 113] ولعل نزول قوله سبحانه: {بِأَنَّهُمْ} إلخ متراخ عن نزول قوله سبحانه: {استغفر لَهُمْ} إلخ كما قيل وإلا لم يكن له صلى الله عليه وسلم عذر في الاستغفار بعد النزول.
والقول بأن هذا العذر إنما يصح لو كان الاستغفار للحي كما مر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فيه نظر. اهـ.

.قال القاسمي:

{اسْتَغْفِرْ لَهُمْ} أي: لهؤلاء المنافقين {أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} أي: فإنما في حقهما سواء.
ثم بيّن استحالة المغفرة لهم وإن بولغ في الإستغفار بقوله تعالى: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ} أي: عدم الغفران لهم {بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} أي: الخارجين عن حدوده.
تنبيهات:
الأول: جملة قوله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ} الخ، إنشائية لفظًا، خبرية معنى.
والمراد التسوية بين الإستغفار لهم، وتركه، في استحالة المغفرة.
وتصويره بصورة الأمر، للمبالغة في بيان استوائهما، كأنه عليه الصلاة والسلام أمر بامتحان الحال، بأن يستغفر تارة، ويترك أخرى، ليظهر له جلية الأمر، كما مر في قوله تعالى: {قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا}، وقد وردت بصيغة الخبر في سورة المنافقون في قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}.
الثاني: قال الزمخشري: السبعون جارٍ مجرى المثل في كلامهم للتكثير.
قال عليّ بن أبي طالب عليه السلام:
لأَصْبَحَنَّ العاصَ وابن العاصِي ** سَبْعِينَ أَلْفًا عَاقِدِي النَّوَاصِي

أي: فذكرها للمبالغة في حسم مادة الإستغفارلهم، جريا على أساليب العرب في ذكرها للمبالغة لا للتحديد، بأن يكون ما زاد عليها بخلافها.
وقال أبو السعود: شاع استعمال السبعة والسبعين والسبعمائة في مطلق التكثير، لاشتمال السبعة على جملة أقسام العدد، فكأنها العدد بأسره.
وقيل: هي أكمل الأعداد، لجمعها معانيها، ولأن الستة أول عدد تامّ، لتعادل أجزائها الصحيحة، إذ نصفها ثلاثة، وثلثها اثنان، وسدسها واحد، وجملتها سبعة، وهي مع الواحد سبعة، فكانت كاملة، إذ لا مرتبة بعد التمام إلا الكمال، ثم السبعون غاية الكمال، إذ الآحاد غايتها العشرات، والسبعمائة غاية الغايات- انتهى.
الثالث: روى البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، لما أراد أن يصدّه عن الصلاة على عبد الله بن أبيّ: إنما خيّرني الله فقال: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ} الآية، وسأزيده على السبعين.
فظاهر هذا أن أو للتخيير، وأن السبعين له حدٌ يخالفه حكم ما وراءه، وهو من الإشكال بمكان.
ولذا قال الزمخشري: فإن قلت: كيف خفي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أفصح العرب وأخبرهم بأساليب الكلام وتمثيلاته؟ والذي يفهم من هذا العدد كثرة الإستغفار، كيف وقد تلاه بقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا} الآية، فبين الصارف عن المغفرة لهم، حتى قال: قد رخص لي ربي فسأزيد على السبعين.
ثم أجاب الزمخشري بقوله: قلت لم يخف عليه ذلك، ولكنه خيل بما قال إظهارًا لغاية رحمته ورأفته على من بعث إليه، كقول إبراهيم عليه السلام: {وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
وفي إظهار النبيّ صلى الله عليه وسلم الرأفة والرحمة لطف لأمته، ودعاء لهم إلى ترحم بعضهم على بعض. انتهى.
قال الشراح: يعني أنه أوقع في خيال السامع أنه فهم العدد المخصوص دون التكثير، فجوّز الإجابة بالزيادة قصدًا إلى إظهار الرأفة والرحمة، كما جعل إبراهيم صلى الله عليه وسلم جزاء من عصاني أي: لم يمتثل أمر ترك عبادة الأصنام.
قولَه: {فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} دون أن يقول: شديد العقاب، فخيل أنه يرحمهم ويغفر لهم رأفة بهم، وحثًّا على الإتباع.
وفهمُ المعنى الحقيقي من لفظ اشتهر مجازه، لا ينافي فصاحته، ومعرفته باللسان فإنه لا خطأ فيه، ولا بعد، إذ هو الأصل، ورجحه عنده شغفه بهدايتهم، ورأفته بهم، واستعطاف من عداهم.
قال الناصر: وقد أنكر القاضي رضي الله عنه حديث الإستغفار، ولم يصححه وتغالى قوم في قبوله، حتى إنهم اتخذوه عمدة في مفهوم المخالفة، وبنوه على أنه عليه السلام فهم من تحديد نفي الغفران بالسبعين، ثبوت الغفران بالزائد عليه، وذلك سبب إنكار القاضي عليهم وقيل: لما سوى الله بين الإستغفار وعدمه، ورتب عليه عدم القبول، ولم ينه عنه، فهم أنه خير ومرخص فيه، وهذا مراده صلى الله عليه وسلم، لا أنه فهم التخيير من أو، حتى ينافي التسوية بينهما، المرتب عليها عدم المغفرة، وذلك تطيبًا لخاطرهم، وأنه لم يأل جهدًا في الرأفة بهم.
قال الشهاب: والتحقيق أن المراد التسوية في عدم الفائدة، وهي لا تنافي التخيير، ثبت فهو بطريق الإقتضاء، لوقوعها بين ضدين لا يجوز تركهما ولا فعلهما، فلابد من أحدهما، فقد يكون في الإثبات كقوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ}، لأنه مأمور بالتبليغ، وقد يكون في النفي كما هنا، وفي قوله: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ} الآية، فهو محتاج إلى البيان، ولذا قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إنه رخص لي»، ولعله رخص له في ابن أبيّ لحكمة، وإن لم يترتب عليه فائدة القبول. انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: روى عبد الرزاق عن معمر، عن قتادة قال: لما نزلت: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لأزيدنّ على السبعين»، فأنزل الله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ}
ثم قال: ويحتمل أن تكون الآيتان معًا نزلتا في ذلك. انتهى. اهـ.